تاريخ آداب العرب. الجزء الثالث [texte imprimé] /
مصطفى صادق الرافعي, Auteur . -
[S.l.] : دار الكتب العلمية, 2000 . - 335P ; 24CM*17CM.
ISBN : 978-2-7451-3030-3
Langues : Arabe (
ara)
Langues originales : Arabe (
ara)
Index. décimale : |
811 Poésie |
Résumé : |
سمك اللهم أقدم بين يدي فاتحة الكتاب، وبحمدك أتقدم بين يديك إلى ما تفتح من الصواب، وبالصلاة والسلام على نبيك الحكيم أستفتح من حكمة الألباب هذا الباب؛ اللهم فاجعل لكتابي من اسمك فائدة الذكر والبقاء، واكتب له من حمدك معنى القبول والثناء، وألق عليه من أثر الحكمة بركة المنفعة والنماء.
أما بعد: فإن هذا التاريخ علم قد كثرت عليه الأيدي واضطربت فيه الأقلام، واستبقت إليه العزائم حتى عثرت بها عجلة الرأي ولجاجة الإقدام، وقد أخصب في الأوهام، حتى نفشت١ في واديه كل جرباء؛ وامتزج أمره بالأحلام، فلم يمس كتابه علماء حتى أصبح قراؤه أدباء؛ على أنهم تجاذبوه انتهابًا فجاء واهيًا في وثيقته٢ وتناكروه اهتيابًا٣ فخرج ضعيف الشبه بين ظاهره وحقيقته؛ وما منهم إلا من يحسب أنه أمال بالقلم يده فمضى مُرخي العنان، مخلى له عن طريق السبق إلى الرهان؛ وإن للقلم لو أطلقوه لنفرةً أيسر خطبها الجماح، ولكنه مذلل والطائر أهون ما يطرد إذا كان مهيض الجناح.٤
كثرت الكتب، وهي إما أعجمي الوضع والنسب، وإما هجين في نسبته إلى أدب العرب٥ يلتفت فيها الكلام التفاتة السارق إلى كل ناحية؛٦ ويسرع في مره إسراع السابق على كل ناجية٧ فلا يحققون ولكن يخلدون إلى سانح الخاطر كيفما خطر٨ ولا ينقبون ولكنهم يجدون في كل حجر أصابوه معنى الأثر؛ وإذا كتبوا تاريخ الرجال فكأنهم يكتبونه على ألواح القبور٩ ثم ينطلق الكتاب وفي صدره اسم (المؤلف) يسعُل به كما يسعل المصدور، وهم لو عُلِّمُوا منطق المعاني لرأوا كلامًا كثيرًا يَدْعوهم أن يَدَعُوه، وكان يرفعهم، لو أنصفوه ولم يضعوه؛ ولكنهم يأخذون في كل جانب، ويضم ما ضم حبل الحاطب١٠ وإنما كان العلم كالروض: يقصر بعض أغصانه فيسهل على كل متناول، ويطول بعض فروعه فيكد يد الفارع المتطاول؛ وهذا التاريخ قد طُوي في رؤوس أهله فكانت جماجمهم غِلَاف كتابه، وغابت حقائقه في القبور كما يغيب أثر الميت في ترابه؛ فلم يبق إلا إنفاق الأعمار وسيلةً لاستدراك ما فات؛ وليكون ما يموت من عمر الأحياء فداءً لآثار الحياة بعد الموت؛ وفي ذلك هم من الكد يلحَف القلوب والأكباد١١ وحرية تتلذع حتى في القلم والصحيفة والمداد، وضيق يخيل للباحث أن بين الأوراق، بحارًا ذات أعماق؛ وأن رأسه يصطدم من أحرف السطور، بحروف الصخور؛ وضجر يتوهم به الكاتب أن روحه تثب من جسده، إلى يده؛ فيجد للقلم حزًّا كالحزِّ في الوريد، ومسًّا من نفسه كمس المبرد للحديد؛ بل يرى كأن المعاني لا تنضج إلا إذا جعل رأسه قِدرَها، وأوقد من فكره جمرها؛ فيتنسم وكأنه يتنسم بعض دخانها١٢ ويزفر وكأنما يزفر من حر نيرانه |